أشعل رجال الدين الإصلاحيون الإيرانيون الجدل حول معارضة إيران الشديدة لحل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين، في تحول كبير في الخطاب السياسي الإيراني، وفقا لتحليل نشرته الجارديان.
يشير هذا الاقتراح، الذي تبناه مجلس المحاضرين والعلماء في حوزة قم، إلى دعم إيران “لتشكيل دولة فلسطينية مستقلة” – وهو الموقف الذي يتطلب من طهران الاعتراف ضمنًا بوجود إسرائيل. أثار هذا الموقف، الذي يتجذر في بيان المجلس في 21 أكتوبر، ردود فعل عنيفة داخلية وجماهيرية، مما يسلط الضوء على الانقسامات العميقة في المجتمع الإيراني بشأن السياسة الخارجية للبلاد.
المعارضة التاريخية لإسرائيل والتحولات في الدبلوماسية الإقليمية
منذ الثورة الإيرانية عام 1979، كانت معارضة إسرائيل حجر الزاوية في أيديولوجية البلاد، وغالبًا ما كانت تتخللها شعار “الموت للصهيونية”. في العقود الماضية، اقترح زعماء إيرانيون سابقون مثل الرئيس محمد خاتمي ووزير خارجيته كمال خرازي بدائل لحل الدولتين، مثل استفتاء الدولة الواحدة الذي يسمح فقط للاجئين الفلسطينيين وأحفاد أولئك الذين كانوا في المنطقة قبل “الغزو الصهيوني” بالتصويت. ومع ذلك، فإن هذه الرؤية، التي تهمش اليهود الإسرائيليين في العملية الانتخابية، ينظر إليها منذ فترة طويلة من قبل المنتقدين على أنها غير عملية وتتعارض مع المعايير الدولية.
اقرأ أيضا.. الانتخابات الأمريكية.. لماذا سيصوت نصف الأمريكيين لصالح دونالد ترامب؟ التفاصيل كاملة
في السنوات الأخيرة، أدى رفض إيران المستمر للاعتراف بإسرائيل كدولة إلى تعقيد علاقاتها الدبلوماسية، وخاصة داخل الخليج والشرق الأوسط الأوسع. ويؤكد غياب البلاد عن اجتماع ائتلاف الدولتين الأخير في الرياض على هذه العزلة.
بيان حوزة قم يثير الجدل
كانت دعوة المجلس إلى دولة فلسطينية داخل الحدود التي سبقت التوسع الإقليمي لإسرائيل في عام 1967 بمثابة خطوة غير مسبوقة بين الدوائر الإصلاحية الدينية في إيران. أثار البيان الاحتجاجات في قم، حيث أدان المتظاهرون المجلس بعد صلاة الجمعة. كما تدفقت الانتقادات من وسائل الإعلام المتشددة، حيث وصفت صحيفة كيهان اليومية المؤثرة موقف المجلس بأنه “دعاية للعدو” وطالبت بإجراءات تصحيحية، مما قد يعني إغلاقه.
وكرر رئيس السلطة القضائية الإيرانية هذه المشاعر، وحث على “إجراء تصحيحي”. ومع ذلك، قدمت الصحف الإصلاحية في طهران تغطية متعاطفة، مما يشير إلى وجود قاعدة دعم داخلية ناشئة لنهج معادٍ تجاه إسرائيل وفلسطين.
موقف الإصلاحيين والاستراتيجية الإقليمية
ردًا على الانتقادات المتزايدة، أوضح مجلس حوزة قم أنه في حين يدين تصرفات “الدولة الصهيونية”، فإنه يعتقد أن إنشاء دولة فلسطينية يمكن أن ينهي إراقة الدماء المستمرة. ومع ذلك، بالنسبة للمؤسسة المتشددة في إيران، فإن هذا الاعتراف الضمني بإسرائيل لا يزال مثيرًا للجدل.
يلاحظ آراش عزيزي، المؤرخ والمؤلف، أن الموقف الإيديولوجي لإيران ضد إسرائيل يتعارض مع مصالحها البراجماتية. وفقًا لعزيزي، فإن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، يتقدم في السن، وأن جيلًا أصغر سناً يضع نفسه في وضع يسمح له بوراثة السلطة. ويرى عزيزي أن فترة الانتقال هذه قد تكون فرصة لإيران لإعادة ضبط سياستها الخارجية، حيث أدت استراتيجية “لا حرب ولا سلام” التي استمرت لفترة طويلة إلى أزمات مستمرة دون حل.
ويقترح عزيزي أن محاولات إيران للحفاظ على موقف ثوري مناهض للصهيونية لا تتماشى مع مصلحتها الوطنية. ويزعم أن طموحات طهران في الدفاع عن القضية الفلسطينية ربما لم تعد تخدم الأولويات الاستراتيجية للبلاد. وقد كرر وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف هذا الشعور، مؤكدا مؤخرا أن الإيرانيين “سئموا” من حكومة تسعى إلى أن تكون “أكثر تأييدا للفلسطينيين من الفلسطينيين أنفسهم”.
آفاق التحولات السياسية في إيران
لقد زرعت بذور المرونة في موقف إيران في ظل إدارة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، الذي أظهر علامات الانفتاح على المناقشات حول حل الدولتين. وفي انحراف ملحوظ عن الوضع الراهن، دعمت إيران قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بقيادة الأردن في ديسمبر الذي أيد إطار الدولتين، وإن كان مع تحفظات. إن هذا التحول يشير إلى إمكانية الحوار داخل إيران فيما يتصل بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حتى وإن ظل مثيرًا للجدال.
مع اقتراب إيران من انتقال محتمل للزعامة، فإن المناقشة حول حل الدولتين تؤكد على لحظة محورية بالنسبة للبلاد. ففي ظل التوترات الداخلية الطويلة الأمد والتحالفات الإقليمية المتطورة، قد يتوقف موقف إيران المستقبلي من إسرائيل وفلسطين على استعدادها لتبني تعديلات برجماتية في السياسة الخارجية بدلاً من التصلب الإيديولوجي. والبيان الأخير لرجال الدين الإصلاحيين هو شهادة على المشهد المتغير، حيث تواجه العقيدة الإيديولوجية بشكل متزايد دعوات الواقعية الدبلوماسية.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط